مذكرات

من ذكرياتي 1 : تعليم اللغة الانجليزية في الكنيسة

مدخل :

التجربة المختلفة ، تكسبك خبرة مختلفة .

المكان : كولشستر ( أقدم مدينة مسجلة في بريطانيا)

في نوفمبر 2009 بعثت لنا الدكتورة التي تقدم لنا مادة التدريب والإعداد للتدريس بايميل عن الحاجة لمتطوعين للمساعدة في تدريس اللغة الإنجليزية للاجئين  والمهاجرين في كنيسة بكولشستر . قرأت الايميل عدة مرات وفكرت في الموضوع  ثم قرأت تعمقت أكثر في القراءة عن أحكام زيارة الكنائس . قررت أن أحظى بفرصة والذهاب للإطلاع على أساليب التدريس وماهية المتعلمين ،خصوصا مع تأكيد مشرفتنا على أهمية هذه الفرصة في التدريس قبل خوضنا غمار التدريب العملي  مع الطلبة الأجانب في الجامعة في الفصل الثاني . كنت تواقة إلى هذه الفرصة وراسلت المسئولة عن الموضوع والتقيت بها في مكتبها وكانت نوعًا ما سعيدة ومتفاجأة في الوقت نفسه . في اليوم التالي راسلتني المحاضرة لتتأكد من أنني صاحبة المبادرة بعدما تحدثت معها المسئولة جزيل تزف الخبر الغريب بدهشة وسرور 🙂 لأني أردت أن أتطوع فهي كانت تعتقد أن زميلاتي الشقراوات البولنديات واليونانيات سيتطوعن وتحمسن بسرعة بينما الفتاة السعودية الوحيدة والمحجبة لن تكون كذالك !. فنحن أحيانًا  كسعوديات ومسلمات خارج التوقعات لأن الصورة النمطية المرسومة بناءا على سلوك أفراد منا تنعكس على الجميع.

 

في صباح يوم الثلاثاء توجهت للستي سنتر ونزلت في موقف الباص متوجه نحو العنوان المذكور في الايميل فإذا بمبنى مجاور لكنيسة (St Botolph’s Church) كتب عليه ” قاعة الموسيقى” هو المكان المطلوب وهو خاص بالتدريب الموسيقي داخل مبنى الكنيسة. كنت هناك مبكرًا فقررت الذهاب إلى محل بيع النظارات لإلقاء نظرة على الجديد وهناك استقبلني  بريطاني يعمل في المحل وتقدم لمساعدتي فقلت له أريد تركيب سنادة جديدة فأخذ مني النظارة وطلب مني العودة بعد 20 دقيقة . أخذت طريقي عائدة نحو مكان الدرس وكنت أتوقع دفع مبلغ كبير من أجل إصلاح نظارتي العزيزة  . حين  دخلت للمبنى الذي يأخذ الشكل المستطيل وسرت في الممر الطويل كانت هناك غرفة على اليسار ومجموعة من الأشخاص يتدربون على الآلات موسيقية متنوعة واصلت المسير حتى وصلت  صدر الممر حيث وجدت  غرفة كبيرة بها طاولة بالمنتصف يلتف حولها  اللاجئين والمهاجرين وسبورة متنقلة صغيرة وركن خاص بالمطويات بجانبه نافذة مغلقة للمطبخ.

عرفت المدرسة بنفسي كمتطوعة – طالبة ماجستير في تدريس اللغة –  قادمة من جامعة ايسكس ثم جلست إلى جانب الطلبة وهم من عدة جنسيات أغلبهم آسيويين من كوريا والصين و تايلند وجنسيات أخرى شرق أسيوية لم استطع تحديدها وكانت هناك طالبة  محجبة كردية . أعمارهم مختلفة منهم الكبار وقد بدت التجاعيد على وجوههم ومنهم الصغار في السن .ا مدرستهم والتي تعمل في الكنيسة وتهتم بتعليم هذه الفئة لتنشر رسالتها نعم رسالتها دينها الذي تؤمن به عبر لغتها الأم التي تعلمها لهم فتجمع بين قوة العلم واللغة والمكان والدين. حين بدأت ساعة الدرس طلبت منا المدرسة التعريف بأنفسنا لهم : محدثتكم وزميلة يونانية  وقد رحبوا بنا بشكل جميل . حين كنت أراهم كنت أرى السلام في وجوههم تجمعهم رغبة في التعلم رغم مظاهرهم التي لا تعكس الراحة أو السعادة أو حتى الرخاء كما يتلبس البؤس بعضًا منهم. لم اشعر منهم في لحظة بأي اختلاف بل تقدير واحترام وتسابق منهم لكي نأخذ أماكننا ونجلس معهم . وكان دورنا يتمثل في مساعدتهم في المراجعة لدرس سابق يتعلق بالكلمات المستخدمة في وصف أعضاء الجسم  ومساعدة الطلبة في نشاط يتطلب وضع الاسم الصحيح لكل عضو . كنت أشاركهم باهتمام وسعيدة بطلبهم للمساعدة كنت معهم كأني أعرفهم وهم يعرفوني جيداً . فهذا يسال عن كلمة وتلك عن طريقة كتابة كلمة معينة وثالث عن طريقة النطق الصحيحة وهكذا حتى جاء الفصل الأصعب وهو الدرس الجديد بعد فاصل الاستراحة .

 


كان هناك بالمنتصف وقت مستقطع لشرب القهوة كل الطلبة يعرفون النظام جيدًا فقاموا من أماكنهم واتجه بعضهم نحو المطبخ المطل على القاعة وفتحوا نافذته و انطلقوا لتجهيز الأكواب وتحضير القهوة والحليب وتوزيع البسكويت . أحد الطلبة أخذ يلح علي لأتناول بعضا من البسكويت معهم وشرب القهوة ولكني تعذرت بإفطاري المسبق وشكرتهم على لطفهم وقمت باستغلال حفلة الشاي لاستعادة نظارتي التي تركتها في محل النظارات . حين دخلت للمحل مجددًا قابلني نفس الشاب وطلب مني الجلوس في مكتبه وأحضر النظارة وجلس! أخرجها من علبة جديدة وقد قام بتركيب سنادات جديدة تمامًا وتنظيف زجاج النظارة فبدت وكأنها جديدة ، سلمني إياها وقبل أن أسال عن السعر قال مجانًا . شكرته وخرجت وكنت سعيدة لأنها عادت جديدة دون عبء مادي وفي نفس الوقت أعجبت من تعاملهم وتقديم الخدمة مجانًا. عدت مسرعة لمكان الدرس، كان قد تبقى القليل على حفل الشاي فقمت باستغلال الوقت و توجهت إلى أحد الأركان حيث هناك الكثير من المطويات التي تحكي نشاطات الكنيسة التطوعية . بدأت في قراءة أحدها فإذا هو نشاط تطوعي وإغاثي في مصر وغيرها من الدول وكانت الأنشطة بحق متنوعة . وما أن انتهت الفسحه حتى عاد كل إلى مكانه بعد غسل الأكواب وإغلاق نافذة المطبخ .

 

وبما أن الكريسمس قد شارف على الأبواب انتقلت المدرسة للحديث عنهوالتعريف بشجرة الكريسمس ومحتوياتها وأسماء هذه المحتويات . ثم قامت بتوزيع ورقة نشاط تحتوي على بعض الأسئلة حول أيام الكريسميس ، وبدأ الطلبة في التشارك من أجل حلها واستصعب عليهم سؤال فطلب مني أحدهم المساعدة فقال : هل عيسى ابن الله ؟ فترددت قليلًا وكنت متحفزة لفرصة كهذه وقلت له  في ديني الإسلام وما اعتقده  أنه نبي من الأنبياء  كالنبي محمد بينما في المسيحية يعتقدون أنه ابن الله فإذا بالمدرسة ترمقني وتقترب  . لم أكن في الحقيقة محتارة لأني أعرف الإجابة ولكن كان يتوجب علي أن أعرض لطالب لا يؤمن بديني ولا دينها الآراء المعروفة ! كانت كل الأسئلة المقدمة للطلبة عن المسيحية وليست بالسهلة كأيام الكريميس وطقوسها كانت كثيرة للاجئين من ثقافة مختلفة لا يحملون نفس الدين وبمستوى ضعيف في اللغة الانجليزية  . ولم استغرب من دمج تدريس التنصير مع اللغة فهذا اللاجئ يبحث عن فرصة وطن وانتماء ولغة وربما دين مشترك مع من يعيش معه.

أحد الطلبة حاصرني بالكثير من الأسئلة هل تحتفلين بالكريميس من أين ولماذا وما هو دينك وما هو ؟؟؟  كانت الأسئلة كثيرة وكنت سعيدة لأنها فرصة للتواصل مع مجتمع مختلف لم أشعر بالغربة ولم يشعرون بها . فهؤلاء الذين يتعلمون اللغة على اختلاف مستوياتهم وهوياتهم تحتضنهم الكنيسة ليتحدثوا ويتفاعلوا بلغة أهل البلد وليكونوا جزءا من حاضرها ومستقبلها البعض منهم أزواجهم يدرسون أن يعملون في المملكة المتحدة وهم لا يجدون فرصة مجانية لتعلم اللغة إلا في هذا المكان وإحداهن صينية يعمل زوجها وهي مداومة على حضور الدروس بالرغم من أنها في شهرها التاسع وتنتظر مولودها قريبا ! ولكن الإرادة من أجل وجود وحياة أفضل هي المقوم الذي يدفعهم ليكونوا هناك . ودعناهم ولم نتمكن من معاودة المشاركة لأن الجدول تغير وأصبح من الصعب المشاركة في اليومين المحددين للتدريس أسبوعيًا كان اللقاء فرصة جميلة جداً  تعلمت منه الكثير :

– العلم ليس له حد أو قيد أو عمر أو مكان .

– تقديم المساعدة والتعليم بشكل تطوعي له آثر ملموس وهي تجربة تستحق التكرار.

– الكنيسة ليست دار عبادة فقط بل تعليم وتثقيف وتطوع وجمع تبرعات عينية وأنشطة.

– النشاط الاجتماعي يكسبك رؤية وفرصة للتعرف على الآخرين والتواصل معهم .

 

 

 

 

 


8 تعليقات

  • جميل جدا ، بادرتك وتجربتك وظهورك كما أنتِ من دون تكلف أو إعداد مسبق
    وكذلك محاولتك للتأكيد على الهوية المسلمة ، عندنا في بلادنا المساجد كانت تقوم بدورات تعليمية وأعمال تطوعية وأنشطة اجتماعية ، ولكن للأسف ، رأى المسؤولون تحجيم دورها واقتصارها على الصلاة وحفظ الكتاب الكريم.

    مساجدنا للعبادة نعم ، لأن وقت المسلم كله عبادة لله بمختلف أنشطته .

    بوركتِ ووفقكِ الله

    • أهلا بك أخي الكريم ،
      هويتنا مهمة جدًا في تعزيز ثقافتنا الإسلامية بكل تأكيد . وكما تفضلت المسجد للعبادة وللنشاط.

      هناك أمل وحلم بالتغيير بإذن الله

  • رائع جدا، اسلوبك جميل جدا وجعلني اتعايش مع الحدث، فكر العمل التطوعي وفكر ان الكنيسة ليست دارا للعبادة فقط، نحتاجها كثيرا في بلادنا. حدث لي موقف مشابه مع العمل التطوعي اتمني ان اجد الوقت لكتابته، وافر الاحترام
    عامر الحسيني

    • شكرًا لك لحضورك هنا وتواصلك 🙂 ننتظر بإذن الله تجاربك مع العمل التطوعي فأنت ماشاء الله علم كاردفي منير في بريطانيا.

      تحياتي

  • كما هو متوقع .. أسلوب جميل يدخلك في جو القصه وكأني عشتها معك يا أختي .. واحد من أحلامي أن أذهب وأقابل أناس بجنسيات مختلفه وأجلس معهم وأتحدث معهم وأجاوب على أسئلتهم عن ديني .. وأتعرف على تقاليدهم وعاداتهم.. جميل جدا أختي سمر .. لا تضيعي أي فرصه تأتيك لتدخلي في المجتمع وتتعلمي من تجاربك.. حلم آخر لي أن أبني نفسي ومستقبلي بتجاربي في الحياة!!

  • بامكانكم الاستفادة من هذا الموقع

    قاموس ومعجم المعاني
    رابط موقع قاموس ومعجم المعاني
    الموقع يوفر الترجمة لخمس لغات وهي:
    العربية والانجليزية والاسبانية والبرازيلية والبرتغالية.

    الموقع يمكنك من تحميل مجموعة من قواميس اللغات على صيغة PDF.

    معاني الأسماء
    معاني مصطلحات كلمات القران
    مرادفات وأضداد
    والمزيد من مزايا هذا الموقع

    طرق البحث
    قانونية ، مالية ، عسكرية ، طبية ، سياسية ، تسويقية ، هندسية ، زراعية ، حاسوبية …الخ

    ترجمة,لغات,قواميس,معاجم,تعلم لغات

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *