ثقافة, قراءات

قراءة لكتاب ” ألواح ودسر “

تأتي بداية الرواية من الآلاف السنين من قصة نبي الله نوح عليه السلام حيث يقتبس المؤلف القصة ويسقطها على واقعنا المعاصر . ألألواح والدسر ذكرت في القرآن الكريم حين قال المولى عز وجل في القرآن الكريم : {وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} سورة القمر الآية 13. وقد فُسر معنى الألواح والدسر بعدة معان حيث قيل :

“وحملناه على ذات ألواح ” أي على سفينة ذات ألواح ” ودسر” قال قتادة يعني المسامير التي دسرت بها السفينة أي شدت ، وقاله القرظي وابن زيد وابن جبير ورواه الوالبي عن ابن عباس . وقال الحسن و شهر بن حوشب وعكرمة هي صدر السفينة التي تضرب بها الموج سميت بذلك لأنها تدسر الماء أي تدفعه والدسر الدفع والمخر ورواه العوفي عن ابن عباس قال الدسر كلكل السفينة . 

ألواح ودسر هي رواية لــ د. أحمد خيري العمري الكاتب المشهور بسلسة كيمياء الصلاة المُلهمة للكثير من القراء .هذا الاختيار للقصة والعنوان يوحي للقارئ بأن هناك سفينة ، هناك غرق ونجاة ، هناك اختيار . الرواية تبدأ بقصة نور – الطفل الذي لايكبر . إذا كنت قد قرأت رواية مئة عام من العزلة أو الحزام ستنجذب لهذه الرواية التي تعيش معها جو من الأحداث العجيبة  الغريبة .استخدم الكاتب فن الواقعية العجائبية –  السحرية وهو فن أدبي يمزج فيه الكاتب الحقيقة بالخيال، ومن أشهر الكتاب في هذا الفن : جابرييل جاريسا ماركيز مؤلف الرواية الخالدة “مئة عام من العزلة” .ألواح ودسر يصنفها بعض القراء ضمن الروايات ، والعجيب أن الرواية تجمع بين الفنتازيا والخيال والواقع والإسلام . هذا رابط عجيب وغريب قد ل ايتكرر في الكثير من الروايات .

 

تقول عن ألواح ودسر د. هيفاء الحمصي :

“الرواية ، عكس الروايات الحديثة السائدة  حالياً ، فيها حبكة ، وفيها تشويق وإثارة ، والعمري يمتلك فيها حرفة “الرواية” بالمعنى التقليدي للرواية الذي نفتقده ،،،،، “ألواح ودسر” رواية ملحمية رائعة ، لا تشبه سواها من الروايات ، كما لا تشبه سواها من أعمال العمري ، وهي “غير قابلة للتصنيف” : هل هي فانتازيا ؟ هل هي من الأدب الواقعي – العجائبي ؟ هل هي رواية تاريخية ؟ هل هي من قصص الأنبياء ؟ ربما هي كل ذلك ، وربما هي خارج كل التصنيف”

 

 

تضم الرواية عدة شخصيات نقابلها كثيرًا ونعرفها جيدًا وتشكل فكر وثقافة وسلوك  ومنها : السيدة تفاهه، السيدة غلاظة ، السيدة حيزبونة ، السيدة نميمة ، العمة فهيمة . السيد أبرهة ، السيد إمعة ، السيد  عبدالمال ، السيد جشع ، السيد سلاب النهاب، السيد محتكر. كما هناك الأفق والنورس اللذان يراقبان كل ما يحدث من عجائب هي للحلم أقرب من الحقيقة وهناك أيضًا المهمشون الفقراء في حي” الأرذلون”. والرواية أيضًا تجعلك تتبع أبطالها : نور الطفل الذي لا يكبر ،النور الذي يبحث عن الحقيقة حتى وصل إليها ، ونوح  رسول الحقيقة ، الشاب الذي لايشيخ. والملاحظ أن التركيز الأكبر كان على حياته النساء ومجالسهن وثرثرتهن واغترارهن بمظاهر الحياة وكل ما جاء به أبرهة.

 في القصة  رفض السيد نوح ما جاء به أبرهة من مدينة الرجل الأبيض ، مما يجعلنا نفكر حقًا هل يجب أن نرفض كل شيء أو نوازن بين كل الأشياء؟، فهل حقًا يتوجب علينا رفض كل ما تأتي به حضارة الرجل الأبيض؟ آم نوظف هذه الحضارة في دعم واقعنا وتعزيزه؟ نظل بحاجة إلى مدينة الرجل الأبيض ولكن حين نتمكن من الاستفادة من هذه الحضارة في تحسين وتطوير واقعنا . القصة التي صورها العمري هي لأناس يعيشون في عالم مختلف تمامًا، حتى فاجأهم هذا العالم الجديد ونقلهم من حياتهم البدائية إلى عصر التقدم والحضارة. نحن لا نؤجر عقولنا بالكامل لكل ما يأتينا من الخارج ، في حكايته صور العمري كل ساكن في هذه المدينة غارق في موجة الحضارة التي أتى بها ابرهة إلا الموحدون . فمثلًا حين تحدث عن عبادة المشهاد تحدث عن سلوك واحد ولم يتحدث عن أي استخدام مختلف له ، كأن يبدأ منه نوح دعوته ليصل لقلوب الناس !.

من وجهه نظري الرواية بدأت تضعف في قمة الحدث حيث أصبحت تدور وتدور حول نفس النقطة التي أخذت حيز كبير : الحياة بمغرياتها بماديته كيف سحبت هذا الإنسان عن الجوهر الحقيقي له . الذروة التي تأخذ القارئ إلى قمة الحدث كانت تتراوح متأرجحة .ولكن تظل متعة الرواية وفائدتها الحقيقة في أن تقرأها من أجل التغيير ، فهي تدفع له بالرمز لرسالتنا في الأرض حيث التعمير وإماطة الأذى والمضي في الطريق وصتع ألواح ودسر للنجاه ، وسفينه النجاة يجب أن تكون مختلفة كم أكد  السيد نوح ” إن السفن التي تنجي حقًا ، والتي يمكن لها أن تنقذ الناس ، يجب أن يكون شكلها مختلفا ، لأن كل الأشكال المألوفة قد استنفدت ولم تعد تجدي..” 

 

 

اقتباساتي :

“إن عبادة الأوثان لا تقتصر على الصلاة لها أو السجود لها ، بل تكون أحيانًا بشكل آخر من أشكال التعلق .. ليس بالضرورة أن تسجد لها حرفيًا، أحيانًا يمكن أن يكون قلبك مشدودًا لها لكنك تسجد لوثن آخر..”

نور.. تذكر أنك يجب ألا تفعل ذلك لكي يزداد طولك.. بل لكي تكبر.. لأننا لا نكبر إلا عندما نفعل الشيء الصحيح”.

” إننا لا نكبر حقًا إلا عندما نضيف شيئًا إلى ما حولنا”     

” التغيير يجب أن لأكون مجرد فكرة في الرؤوس، بل حقيقة يراها الناس”

” أن تكون شامخًا يعني أن يكون رأسك مرفوعًا حتى عندما تنحني للأرض لتزيل عنها أذي الآخرين وإهمالهم “

” نموك كإنسان معناه أن مهارتك فيما خلقت من أجله تزداد ، كلما قمت بما خلقت من أجله “

” صار الناس يعتبرون أنفسهم مثل أكياس فارغة ، فارغة يجب أن تملأ بالمشتريات ، ولكنها لاتمتلئ أبدًا  كما لو أنها مثقوبة  من الأسفل ، بحيث تتسرب كل الأشياء ، ويظل الكيس الفارغ ينادي : هل من مزيد ؟”

“قل لهم إن الإنسان مثل النبتة ، ليس فقط يحتاج إلى الماء لينمو ، ولكنه أيضًا يجب أن يكون مثمرًا كالنبته . الإنسان الذي لا يثمر نبته عقيمة ، لا أهمية لوجودها ، ولن تحدث فرقًا..وثمرة الإنسان هي أن يساهم في جعل العالم ، أكثر عدالة ، وأكثر توازنًا”

تعليقان

  • السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
    “الحياة بمغرياتها بماديته كيف سحبت هذا الإنسان عن الجوهر الحقيقي له ”
    “تظل متعة الرواية وفائدتها الحقيقة في أن تقرأها من أجل التغيير”
    قراءتك دفعتني لقراءة هذا الكتاب المثير
    ما اسم دار النشر أو المكتبة التي اقتنيتي منها الكتاب
    وشكرا ُ

  • قرائتك واقتباساتك من الكتاب جيدة..

    وأعتقد أن المحور الأساسي في الرواية هو المضي في الطريق وصنع ألواح ودسر للنجاه..
    اقتباساتك كانت أكثر من رائعة , ونقطة توقفت عندها كثيراً ” نموك كإنسان معناه أن مهارتك فيما خلقت من أجله تزداد ، كلما قمت بما خلقت من أجله “
    لا حرمتي الأجر.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *