ثقافة, قراءات

قراءة لكتاب ” اسطنبول : المدينة والذكريات “

 

 

دائما أقول لنفسي الكتاب الجيد هو الذي يجذبك حتى النهاية ، هو الذي يجعلك تتحدث عنه كثيرًا . عشت أيام جميلة مع اسطنبول الذكريات والمدينة . الكتاب فتح صندوق حياتي ، صندوق ذكرياتي . استفزني الكاتب واستفز كل مشاعر الحنين في داخلي لأكتب عني وعن مدينتي  في التدوينة السابقة . تقول الكتابة هيفاء القحطاني عنه * :

هذا الكتاب سيغير بكم شيئا وإن كان صغيرا لا يُذكر لكنكم ستقرأونه وتخرجون باستنتاجات جاءت من إسقاطه الضوء على مشاعر وأفكار راودتكم يوما. سننظر من بعد هذه القراءة من جديد باتجاه مدننا، – فيزيائيا ومعنويا – بزيارة ذكرياتنا والصور المعلقة على الحائط وفي بيوت أسرنا الممتدة.

التعريف بالكاتب :

آورهان باموق ، أحد أهم كتاب تركيا ، حاصل على جائزة نوبل للأدب لعام 2006 م . حصل على 17 جائزة تقديرية محلية ودولية ، و11 دكتوراة شرفيه من جامعات مختلفة حول العالم ، و3 درجات شرفيه . له العديد من الروايات ترجمت كتبه لأكثر من 40 لغة .

 

 

Orhan Pamuk

 

الكتاب الذي أكتب عنه يشكل سيرة ذاتية غير كاملة جمع فيها الكاتب بين آورهان الإنسان ونشأته وبين مدينته أسطنبول الحزينة ، وهو غني بالكثير من التفاصيل والصور حيث ينقلك الكاتب في رحلة مصورة بالكلمات والصور المرفقة في ثنايا الكتاب . تحدث الكاتب كثيرًا عن طفولته وأيامه في اسطنبول وعن نشأه عائلته عن طموحه ودراسته وعزلته وممارسته لهواية الرسم. وعن أول قصة حب عاشها مع الوردة السوداء . وعن حياة الأغنياء الباذخة المترفه وتباهيهم بما يملكونه واكتسبوه بطرق غير مشروعة .كما تحدث عن أن عائلته لم يكن فيها من يصلي أو يطبق تعاليم الإسلام سوى الخدم و الفقراء الذين يعملون على خدمته ، فلم يكن للتطبيق الحقيقي للدين وجود في العائلة التي كانت تحاول أن تمارس بعضًا من المظاهر الإسلامية في المناسبات كما هو الحال مع الأسر التي اتخذت من الغرب مظهر حضاري لها . تحدث عن ألعابه وخياله ومتعته الخاصة التي كان يصنعها من الرسم وهذا القسم بالذات جذبني لأستذكر متعتي وألعابي التي كنت اصنعها. حملت ثنايا وفصول الكتاب الكثير من المراجع لكتاب كتبوا سابقًا عن اسطنبول و عن الملاحظات التي تركوها عن سوداوية في المدينة ، عن كل شيء قديم فيها ، عن مظاهر الحزن في كل شيء يحتويها . يقول آورهان :

ما أحاول وصفه الآن ليس سوداوية أسطنبول ، بل الحزن الذي ينعكس في أنفسنا ، الحزن الذي نستغرق فيه بزهو ونتشارك فيه كمجتمع . إن الشعور بالحزن هذا يعني أن ترى المشاهد ، وتستحث الذكريات ، حيث تصبح المدينة نفسها صورة الحزن وجوهر.

 

اسطنبول .. الذكريات والمدينة

 

وقد أشار إلى أن هناك كتاب ورحالة بالغوا في تصوير المظاهر بشكل سوداوي لأن نظرتهم للمدينة هي نظره غريب لايعرف الكثير عنها. حيث فصل في الحديث عن الأربعة الذين كتبوا بسوداوية عن مدينته أسطنبول كما وصفهم ، وتحدث عن توفيل جوتيه ونرفال الذين ألفوا كتب عنها أيضًا. علق باموق على رؤية الكُتاب بالقول :

كثيرًا ما أتفق مع المراقبيين الغربيين حين يتحدثوا بسوء عن المدينة ، وأجد المتعة في صراحتهم الباردة أكثر مما أجده في الإعجاب المتعاطف الذي يبديه بيير لوتي الذي تحدث باستمرار عن جمال اسطنبول وغرابتها وتميزها العجيب. يمتدح معظم الرحالة الغربيين المدينة لجمالها وشعبها لفتنته ، لكن هذا لايهم ، مايهمنا هو مايفهمونه مما يرونه .

 

كما غرقت تركيا في مظاهر التغريب التي سلبت روح المدينة وقلبها ، لدرجة جعلت اتاتورك يمنع بعض الملابس التركية لأن الرحالة الغرب كتبوا عن ” بشاعتها” ، آورهان الذي لم يرتبط دينيا يوما وصف مدينته الغارفة في المظاهر الغربية  قائلا :

 

عد الكلمات الفرنسية والإنجليزية على لوحات الإعلانات والملصقات على لافتات المحلات والجرائد والأعمال، إنها حقا مدينة تسير نحو الغرب . لكنها لا تتغير حتى الآن بالسرعة التي تتكلم بها . لا تستطيع المدينة أن تحترم التقاليد الكامنة في مساجدها أو مآذنها أو آذانها أو تاريخها .كل شيء شبه مكتمل وردئ وملوث.

 

كما استدعى الذكريات من مقالات كتبت عن أحزان وفواجع ومشاهد من كتاب المقالات حينها. بالمقابل روى كيف حاول يحي كمال – أعظم شعراء تركيا في القرن العشرين وسار طنبار أحد أهم أعظم روائيي تركيا في القرن العشرين ، رسم صور أجمل للأحياء الفقيرة التي لا يسكنوها ، صور لم تكن مكتملة أو مطابقة للواقع. انتقل بعدها آورهان لوصف الصور التي التقطها للمدينة بريشته وكيف بدأ في رسم أسطنبول منذ السادسة عشر من العمر . أعجبني حقًا كيف سخر آورهان ريشته ليرسم مدينته الحزينة وليرسم والديه كما رآهما بتفاصيل مختلفة. في الفصل الأخير  تحدث باموق عن شجاره مع والدته حول مستقبله الذي قرره في ساعة غضب كان يسير خلالها في أحد الشوارع المظلمة. لايمكن اختزال الكتاب في سطور ،  فهو يستحق القراءة خصوصًا لمن لديهم نية في زيارة تركيا أو زاروها . لابد وأن تقرأ صفحات عن تاريخ المكان والزمان والإنسان لأنها تضيف لك الكثير وتشعرك بلذة السياحة في بلد ما.

*عن الحكايات العابرة للجدران

http://www.aleqt.com/2011/06/11/article_547879.html

تعليق واحد

  • سمر، أنهيت هذا الكتاب مؤخرا و أثر بي الى درجة مماثلة. أحببت الكيفية التي تناول باموك بها “حزن” المدينة.. ارهاقه من تاريخها المتعب و حملة الأتركة و التغريب التي اجتاحتها. وجدتُ كذلك صدقا موجعا في تحليله لأثر النظرة الغربية على سكان المدينة نفسها. أثر فيّ هذا الكتاب لدرجة اننب افتتحت به أولى مدوناتي. قراءة جميلة لكتاب مميز.
    تحياتي

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *