روبرت هو صحفي وباحث بريطاني مهتم بالتاريخ له عدة مؤلفات وشارك في العديد من الندوات واللقاءات التي ناقشت كتابه عن المملكة بصفحه خاصة وأعماله الآخرى بصفة عامة.**
قد تكون فكرة قراءة كتاب يحكي تاريخ وطنك محفزة جدًا ، لقراءة رؤية مختلفة لباحث بريطاني محايد ينقل التفاصيل دون انتماء لها .وربما تكون فكرة غير محفزة لإعادة قراءة فصول وسطور وأحداث تعرفها جيدًا أو عشتها . بالنسبة لي قرأت عن أحداث لم أعشها حقًا وأحداث عشتها بتفاصيلها ، كنت في كلا الحالتين متشوقة ومتحفزة للقراءة لأن أسلوب الكاتب جذاب ينقلك بين السطور بصورة بانورامية جميلة. الكتاب الذي أكتب عنه هو Inside the Kingdom: Kings, Clerics, Modernists, Terrorists, and the Struggle for Saudi Arabia ، والذي يتحدث عن تاريخ المملكة العربية السعودية صاغ صفحاته الكاتب البريطاني Robert Lacey ، ليحكي قصصًا ومشاهدًا على لسان مواطنين سعوديين. لروبرت كتابين بنفس الاسم الأول صدر في الثمانينيات والثاني صدر في عام 2009م بعد عودته للسعودية عام 2006م حيث قضى خلالها ثلاث أعوام لنقل صورة واقعيه عاشها كباحث في السعودية وكمهتم ومراقب قضى أكثر من 30 سنة يتابع تاريخ هذا البلد. كتبه تمنعها وزارة الثقافة والإعلام في السعودية. تم ترجمه الكتاب عن دار المسبار وبيعت نسخ منه في معرض الكتاب بالرياض 2011 م مما يدل على أن الكتاب وجد طريقه للقارئ السعودي داخل المملكة . يحمل الكتاب معلومات حديثة حتى عام 2009 ويعتبر مرجع جيد للقارئ من داخل وخارج السعودية.
فصول الكتاب :
الفصل الأول يبدأ بحادثة جهيمان تلك الحادثة التي لم أشهدها ، وشكلت علامة فارقة في تاريخ السعودي كما ذكر روبرت ليسي تغيرت الكثير من الأمور بعد هذه الحادثة في نسيج المجتمع ومؤسساته . خلال عدة فصول رصد روبرت مظاهر التغير مثلا في منع ظهور فيروز على التلفزيون السعودي ، مغادرة أعضاء هيئة تدريس أجانب ، وغيرها من التفاصيل الكثيرة التي حكت أحدها د. هتون الفارسي في الفصل الثامن عن أول حفل تخرج بجامعة الملك سعود والحفل الرياضي المصاحب له وانتهاء الحفل بإطفاء الأنوار من قبل الهيئة . صور روبرت الكثير من التغيرات والتضيق الذي تتجلى الكثير ممن العبر حول كيف تأخرنا كثيرًا بالتركيز على صغائر الأمور والتضييق على كل شي خصوصا النسائي منه ، حيث تم التضييق على الأنشطة النسائية التوعوية كما ذكرت مها فتيحي حين لم يسمح لهن بتقديم ندوات توعوية للسيدات . كما لم يغفل عن حادثة حريق المدرسة في مكة ، تجربة الامير سلطان بن سلمان مع وكالة ناسا وتواصله مع ابن باز خلالها ، الغزو السوفيتي لأفغانستان ،حرب الخليج ، حرب العراق ، التفجيرات الإرهابية ، 11/9 11، فتاة القطيف وغيرها بين قصص وحوادث كبيرة وصغيرة في سيرة الوطن.
رغم الصفحات المؤلمة في تاريخنا والرحلة الطويلة التي عاشها الوطن مع الحوادث والمتغيرات والتحديات استمتعت بأسلوب ليسي في سرد قصص كنت أعرفها وعشتها أو العكس . حمل الكتاب عدة قصص ومشاهدات لعدة شخصيات منها : منصور النقيدان ، فؤاد الفرحان ، فوزية البكر ، سمر فطاني ، إبن باز ، خالد باحاذق ، سلمان العودة ، خالد الحبشي ،خالد المعينا ، أسامة بن لادن ، هتون الفارسي وسيدة لم تفصح عن اسمها ورمزت لنفسها بمشاعل .وغيرها من الشخصيات العديدة التي قابلها وسجل معها روبرت أو سمع عنها الكثير وهو يقول أنه سمع مشاهدات أكثر من 300 شخص ولكن لم يدون قصصهم جميعًا لأنها لم تكن مثرية بحسب تعبيره . وجدت مشاعل الشخصية المُقنعة الوحيدة في الكتاب والتي ترتدي عدة أقنعه ، هي الأكثر تشويشًا والأقل دقة في تشخيص مشاكلها وظروفها التي أوقعتها فيها ، فكانت تتحدث بتناقض كبير عن نفسها . فهي ترمي كل خيبة عاشتها على المجتمع . تحدث في البداية عن أن زواجها لم يكن تقليدًا ، بل تزوجت من رجل قابلته لمدة عام ونصف بمساعدة من أخته حتى تم الزواج ولكنها لم تجد الرجل الذي حلمت به هو نفسه بعد الزواج فأصابتها خيبة أمل رمتها على المجتمع الذي يفصل بين الجنسين ولا يترك مساحة كبيرة للاختيار ، فالنساء يقضين معظم أوقتهن مع النساء ، كذلك الرجال مما جعلته سبب يجعلها تميل لأنثى تسمع لها وتفهمها وتبادلها المشاعر وربما تنحرف معها وتشذ عن الطوق ! .
جذبني أسلوب الكاتب وقدرته على اختزال سنوات من حياتنا وصفحات وفصول مع ترجمة الكلمات العربية للانجليزية بشكل واضح وشرح مختصر في نهاية الكتاب للقارئ . شخصيًا لا استطيع فهم الكلمات العربي التي تكتب بالانجليزية لذلك يساعدني وضع المعنى الإنجليزي جانبها على فهمها بدون الحاجة لتهجي الكلمة ومحاولة تفكيك الحروف مثل : الصحوة the sahwah—“the awakening.” .اللغة التي سرد بها الكاتب الأحداث وطريقته وأسلوبه أعجبتني جدًا. قرأت الكتاب بعناية ولا يمكنني الجزم بصحة كل المعلومات التي أوردها الكتاب ولكن وجدته مثري ويجعلك كمواطن سعودي للتفكير بعمق في الكثير من الأحداث التي مرت بنا . حين ترى تاريخ وطنك يسرد أمامك فهو يستوقفك أمام الكثير من الأحداث التي أخذت من فكر وقلب ودم الوطن الكثير. عرفت الكثير عن الملك عبد الله من خلال الكتاب ، صاحب العزيمة والإرادة القوية التي تريد صناعة التغير في السعودية . في حوار مع صحيفة الوطن قال روبرت عن الملك عبدالله :
الملك دائماً إنسان كريم ومرحب بالضيوف، والتقيته في مناسبتين، إحداهما في زيارته لمدينة حائل، والأخرى في افتتاحه لجامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا “كاوست”. والملك هو الذي قال إنه لا يوجد إنسان فوق النقد، ولذا لا أعتقد أن الكتاب أساء للمملكة، بل هو سرد تاريخي. وشخصية الملك شخصية إنسانية عظيمة تستطيع أن تستقرئ ذلك من قلوب السعوديين ودعائهم له، وخصوصاً الجيل الجديد والشباب الذين يتمنى ويحلم كل واحد منهم أن يعطي من عمره خمس سنوات على الأقل للملك عبدالله ليكمل مسيرة الإصلاح.
رغم الألم الذي شعرت به على السنوات التي ضاعت في صراعات ، أجد نفسي متفائلة بالأمل الذي صنعه الملك عبدالله لمستقبل أكثر إشراقا للمملكة برؤية متقدمة للمستقبل . هناك خطوات قامت بها الدولة ذكرها روبرت منها الحوار الوطني ولجان المناصحة والدعوات لبث قيم الاعتدال في المجتمع والوسطية ونبذ العنف و الابتعاث أيضًا. بعدما خرج من أرضنا إرهابيين ها نحن نغزوا العالم مجددًا ولكن بباحثين عن العلم والمعرفة و بنماذج نفخر بها . نفخر اليوم بغادة المطيري وحياة سندي وريما البدر وغيرهم الكثير من أبناء الوطن الذين أبدعوا في الخارج وألفوا كتب تدرس في الجامعات في أمريكا و أوروبا ولهم معامل خاصة وتقدير كعلماء سعوديين لهم إسهامات بارزة للبشرية . هذا هو الجانب المشرق من داخل المملكة ، هناك نهضة ، هناك أمل ، هناك مستقبل مبهر .
ملحوظة :
اقتطفت من الكتاب بعض الاقتباسات تجدونها على صفحتي :Tumbler / Goodreads
** الموقع الرسمي لروبرت ليسي : http://www.robertlacey.com
** الموقع الرسمي للكتاب : http://insidethekingdom.net/
كتب في 14-4-1432 هـــ
أضف تعليق